الجمعة، 30 ديسمبر 2011

وداعاً 2011


ساعات قليلة ويغرب عنا عام ليس ككل عام. إنه عام دوّن أحداثه بحروف من نار ودم في جسد وطننا وتاريخه بل وفي تاريخنا الشخصي. لقد تباينت ردود الأفعال حوله. ينظر إليه البعض كعام الدم والموت، يطالبونه بالرحيل بلا عودة. وينظر إليه البعض بحب وفخر واعتزاز.
جاءت لنا أولى ساعات هذا العام ببشرى الدم، فالدماء فاضت بغزارة لا متناهية إثر تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية. جريمة بشعة لم يُعرف مرتكبها حتى الآن، وإن كانت الظنون تشير إلى وزير الداخلية السابق والمحبوس حالياً على ذمة التحقيق في العديد من التهم المنسوبة إليه. فاضت العيون بالدموع، واتشحت القلوب بالسواد من جراء هذه الجريمة الشنيعة.
جاءت سنة2011 ونحن غارقون في فوضى التوريث، هيمنة الحزب الواحد، احتكار الإنتاج، حتى الإعلام كان موجهاً ليزيد من جهل الجهلاء وغباء المشاهدين.
كنا حتى العام 2011 نعيش كعبيد وإماء في عزبة البيه الباشا صاحب السرايا الكبيرة، ننتظر منه نظرة عطف، منحة العمال، ابتسامة مزيفة وكأنه لا ينام إلا وهو مطمئن على حال كلّ شخص منا.
حتى العام 2011 كان التعليم يغذي وبقوة غباء الطلاب في كلّ مراحل الدراسة، كان المدرس جاهلاً بالشيء وفاقد الشيء لا يعطيه. أما المدارس فهي ذاك السجن النازي الذي يعاني فيه الطلاب من بطش المدرس والناظر والمدير، بل وكامل وزارة التربية والتعليم التي لا تنأى بجهدها كي تقهر هذا الطالب وذاك المدرس، ويعيش الجميع في ظلّ هذه الحكومة الرشيدة وهذا الحاكم العادل.
حتى 2011 كانت كرامة المصري تهان بل وتقتل أمام كلّ مستشفى حكومي، فملائكة الرحمة تحولن لملائكة العذاب والتكفير. ورسالة الطب أضحت تماثل مهنة الجزار (اللّحام)، ولا عزاء للإنسانية. أما الدواء فما يقتل منه أكثر مما هو يشفي.
وفي العام 2011 وصل الفلاح المصري الذي كان مضرب المثل في عشقه لأرضه إلى مرحلة أصبح فيها يكره الأرض ويمقتها، يهجرها من جراء نقص الإمكانيات، والجهود الحثيثة لوزارة الزراعة لتثبيط العزيمة، وفقد الأمل جراء المبيدات المُسرطنة والأسمدة المغشوشة وعقود بيع المحصول التي تفتك بالمسكين وتصيبه بالمرض. وعن استصلاح الأراضي فحدث ولا حرج، يريدون الصحراء خضراء دون بشر يزرع ويغرس. يزرعون هم العراقيل والموانع العديدة لطرد الشباب من هذا المشروع الضخم، تحويل رمال الصحراء إلى جنة منتجة، فلا جنة ولا فردوس إلا جنة الباشا صاحب السرايا، والباقي هي أحلام في عقول السفهاء من عامة الشعب.
حتى عام 2011  كانت المساكن لا تصلح لبشر بل هي مأوىً لحيوانات. أُسرٌ بأكملها تعيش في برك من مياه الصرف الصحي وبين أكوام القمامة. والأحسن حال يتكدسون بالعشرات في غرفة واحدة، يختلط فيها الحابل بالنابل، فتحبل الأم من ولدها والبنت من أبيها، وفي أحسن الأحوال تحبل من ابن الجيران لأن الحمام هو حمام عام خارج البناء.
وهكذا ينام السيد البيك الباشا صاحب السرايا الفخمة قرير العين مرتاح البال، فالحكومة ساهرة على أن يزداد الغني غنىً والفقير فقراً. والتركة تقسم وتورث وعامة الشعب مقهورين في ظروف قد نكون عبرنا عن بعضها، وكلماتنا احياناً لا تستطيع أن تعبر بصدق عن كلّ ما نبغي إيضاحه. وأفكارنا لا تسع دوماً كل ما نريد أن نسرده.
حتى 2011 كان كلّ هذا ولكن كان ثمة حلم الدفين أيضاً. لم يستطع طاغية أن تنال منه يوماً، ولم تقدر منظمة مهما على شأنها أن تهدمه. إنه حلم التخلص من كلّ هذه المظاهر السابقة، وأولها سرايا البيك الباشا صاحب العزبة.
فلم تمض أيام قليلة على بدء هذا العام، وإذ بالحلم يصرخ في أحشاء الشعب، لقد حانت ساعة الولادة، جاءت ساعة الخروج إلى الحياة. أحشاء المصري تتحرّك، ويخرج الجنين صارخاً بأعلى صوته مستنشقاً عبق الحياة ’’الشعب يريد إسقاط النظام‘‘ تلك كانت صرخة ولادة الثورة المصرية الفتية. ‘‘ الشعب يريد.......’’ لكم هي جميلة هذه العبارة، وأنا أتأمل فيها أتذكر كلمات تغنت بها سيدة الشرق العربي أم كلثوم تقول: «وصاح من الشعب صوت طليق .. قوىٌ .. ابىٌ .. عميقٌ .. عريق يقولُ أنا الشعبٌ والمعجزة .. أنا الشعب لا شيء قد أعجزه كل الذى قاله أنجزه. أنا الشعب .. لا أعرفٌ المستحيلا...ولا أرتضى بالخلودٍ بديلا»
 إذ تعكس هذه الصرخة وللمرة الأولى في بلادنا إرادة شعب لا إرادة حكومة أو زعيم. بهذه الصرخة تحقّقت إرادة الشعب التي كانت دوماً حبراً سائلاً على أوراق رجال السياسة، وضيفاً عزيزاً على حناجر زعمائه في خطاباتهم الرسمية وغير الرسمية.
من هم الذين خرجوا لإسقاط النظام؟!!! إنهم أبناء الوطن الذين ينشغلون بمشاغله، يعملون في مصانعه، يفلحون في أرضه، إنهم أطباء في مستشفياته، ومهندسون لمشاريعه المختلفة. هم معلمون في مدارسه وطلاب لهم. هم مثقفون ومبدعون وفنانون. الكلّ على حدّ السواء، فقد خرجت لإسقاط النظام مختلف أطياف الشعب المصري.
حاول صاحب السرايا ومالك الإقطاعية الصمود، ولكنه لم يستطع أمام هذا الزخم الشعبي، لم يقدر على الثبات أمام رغبة شعب أراد الحياة، تخلّى...تنحّى...هرب...النتيجة واحدة: حقّق الشعب حلمه، خلق حريته. عاد إنساناً بعد أن كنا قد فقدنا الأمل. وبعد أن تحول المصري إلى مسخ، تجلّت صوره كأبدع ما خلق الباري عز وجل. حطّم كلّ قيود السُلطة والجاه. أعطى درساً للعالم أجمع في الوطنية، وفي حبّ الحياة، وفي الانتماء إلى وطن يحبّه حتى الموت.
قدّم الشعب شهداء لا عدد لهم، أغلبهم في ريعان الشباب، من مختلف أطياف الوطن. جمهعتهم قلوبهم على حبّ الأرض والبحث عن الحرية. منهم الطبيب والمهندس والمحامي، منهم العامل والفلاح. كلّهم ذوي قضية وأصحاب حلم واحد حلم الكرامة، الحريّة والعدالة الاجتماعيّة. 
أما المؤسّسة العسكرية، فهي كانت من مفاجآت هذا العام أيضاً. فالجيش الذي نفتخر به، والذي هتفنا له ساعة نزوله أرض معركة الثورة. الجندي الذي هو أخي وأخيك، وأبن عمي، وصديقي. يحوله قياداته إلى شبه عسكري، يرى ولا يتحرك، يسمع ولا فعل له. كانت خطته الحياد السلبي، فلم يكن مع طرف ضد طرف.
لم تكن مفاجأة أن يتغاضى الشعب المصري الطيب على هذا ويهتف "الجيش والشعب إيد واحدة" إنها يد الوطن التي تزرع الخير وتحصد السعادة. وعلى العكس من هذا، بتر المجلس العسكري يد الوطن المريضة من الأساس. جال في الوطن فساداً، فمن محاكمات صورية مدنية لقتلة الشعب، الشريان الأخر لهذه اليد، لمحاكمات عسكرية قاسية عنيفة لثوار الشعب وشبابه الذي حمل أرواحه على كفيه في سبيل الحرية والكرامة والعدالة. حتى وصل بنا الأمر إلى توجيه اتهامات باطلة لشباب جامعي متفوق بأنهم بلطجية وقطاع طرق.
في 2011جاء المجلس العسكري برئيس وزراء هرم عجوز ليقود البلاد نحو الإصلاح، فإذ به يقودها نحو الهلاك. فكانت أولى خطواته الإصلاحيّة أن شكّك في مصداقية الثورة بسؤالٍ عقيم لا يخرج إلا من كهل فقد بريق الحياة. أطلّ علينا ذو الصلاحيات الرئاسية بسؤال ساخر عما إذا كان الطفل يثور؟ إنها ثورة الكبار والصغار، ثورة الرجال والنساء والشيوخ. إنها البحث عن الحياة وسط كلّ هذا الذل والقهر والفقر والحرمان.
خرج المسيحيون في 2011 من عزلتهم التي فرضتها عليهم أسوار الكاتدرائية المرقصية العالية. ثار المصريون على هذه الأسوار أيضاً، خرجوا ليعبروا عن غضبهم عن تعامل السلطات مع مشاكلهم التي هي مشاكلّ كلّ مصري، ذد على ذلك قيود عتيقة على بناء دور عبادتهم، هذه القيود التي جعلت الممنوع مرغوباً حتى ولو لم نكن في حاجة له. وللأسف جاء ردّ الفعل عنيفاً فسقط العشرات من القتلى في مواجهات خلنا لوهلة أنها ليست في بلدنا الثائر. غرقنا في حزننا للمرة الثانية على ضحايا ماسبيرو والذين هم أيضاً من شباب بلدنا وأبناء حلمها المولود حديثاً.
في عام 2011 اشتهر القناصة بضرب عيون الشباب الثائر، وكأنه لا يريد له أن يرى حلمه يتحقق أمامه.
في عام 2011 نسي الجيش الذي هو أخي وصديقي أنه ليس في جبهة المعركة، بل أمام بنات وسيدّات وطنه. فراح يسحلهن   ، يضربهن، يعريهن من ملابسهن في صورة ليس في بشاعتها مثيل.
في عام 2011  ثمة العديد من الأمور التي يطول ذكر تفاصيلها، قد ننسى بعضها، إلا أننا لن ننسى أن في السجون العسكرية مدنيين يعانون مرارة الحبس من بعد حلم الحرية.
في عام 2011 فقد البعض منا أباً أو أماً، أخاً أو أختاً، صديقاً أو صديقةً، لا بنيران العدو، بل بزخات رصاص جيشنا الباسل وقواتنا المسلحة التي قهرت خط بارليف المنيع ذات يوم.
هذه كانت بعض أحداث عام 2011.......
فسلاماً عليك يا عام المتناقضات. فمن بعد الحريّة أتى الاحتلال العسكري. إننا نودعك غير آسفين بل فخورين وفرحين.
معك ولد حلمنا الجميل وأصبح طفلاً صغيراً.
معك حملنا مسؤولية تنشئة وتربية هذا الحلم الرضيع.
معك اختبرنا أننا بشر، ولسنا ماكينات، فالتغيير لا يأتي بضغطة زر بل بجهد وكفاح وعمر ليس بقليل.
معك عرفنا الوجوه الحقيقية لأصحاب القلوب الكريهة التي لا تعرف سوى العيش على الرائحة النتنة بين القبور.
معك عرفنا أن عيوننا هي بصيرتنا، فحتّى لو فقدنا نور الأعين فإن بصيرتنا ستقودنا نحو حلمنا الصغير فنعرفه خير معرفة.
معك نقضنا عنا كلّ ماضٍ غابر، وتحملنا وزر ما فعله السفهاء منا.
معك أكتشفنا طعم الحياة، وذقنا حلاوة الحريّة.
فوداعنا يا عام الخير والألم أيضاً. وأهلاً بــــ 2012.

الجمعة، 18 نوفمبر 2011

الشعب يريد عبوراً جديداً


خرج أمس البعيد عشرات الآلاف من جموع المصريين على اختلاف أطيافهم، إلى قلب ميدان التحرير، ينادون بصرخة مدوية "الشعب يريد اسقاط النظام"، مازالت أصداؤها تعم جموع البلاد طولها وعرضها. ناهيك عن الأصداء التي ترددت  إلى جموع الدول العربية، بل والعالم كله، حتى وصلت المجتمع الإسرائيلي  وبل "وول ستريت".
جاءت مطالبنا كمصريين واضحه وصريحة، كرامة...حرية...عدالة اجتماعية. وبعد أكثر من 10 أشهر على سقوط رؤوس النظام، قامت رؤوس جديدة بأسماء جديدة، ولكن مازال يجري في دمها سم النظام السابق. 

وفي الأمس القريب، خرجت جموع تقول أنها تمثل الشعب المصري، بمختلف طوائفه، تنادي" الشعب يريد تطبيق شرع الله"، ورُفعت أعلام ذات دلالات دينية محضة، ولا تمت إلى الوطن المصري. فها السم الآن لا يكمن في الرؤوس المتصدرة النظام حالياً بل أيضاً في قلب هذا جسم، في قلب ميدان التحرير.

أقول لجماعة الإخوان المسلمين ولجموع الجماعات الإسلامية الأصولية، التي خرجت أمس تنادي بتطبيق شرع الله، بسم أي شعب تتكلمون؟ بأي حق فرضتم أنفسكم أوصياء علينا؟ أين كنتم منذ عشرات السنوات، يوم كانت الرؤوس السابقة للنظام لكم بالمرصاد؟ أين كنتم ؟ ألم تكونوا كالجرذان ( مع كامل احترامنا للقذافي رحمه الله) تشاركونهم جحورهم؟ ألم تكونوا أسافل الأرض تتنشقون رائحة مياه الصرف العفنة، جبناء، منافقين، محظورين؟ ومازلتم مع بعض الفوارق البسيطة.
إن لم تكونوا جبناء يا سادة، فلماذا لم تثورا قبل ثورة25 يناير؟  لماذا لم تجاهروا هكذا بالمناداة بشرع الله من قبل؟ ويل لكم أيها الكذبة والمنافقون، إنكم كالقبور المملوءة رجاسة. إن رائحتكم العفنة قد خرجت، فبدلاً من العمل على تطوير المجتمع، ورفع مستوى معيشة المصري البسيط، العامل والفلاح، رحتم تفندون خططكم مع الشيطان لتقاسم خيرات البلاد وتصنيف البشر بين كافر ومُلحد. أما المؤمن فهو ميت معكم، يسير دون عقله، مغيب عن الواقع.
قام الشعب المصري الثائر ينادي بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، فانتهزتم الفرصة واستغللتموها أحسن استغلال. وضعتم كلّ خططكم الماكرة والخبيثة من أجل الالتفاف على سُلطة هذا الشعب المناضل وسرقة كفاحه ضد الظلم والطغيان؟ ولكن ثقوا أن هذا الشعب واعٍ، هذه الأمه التي خرجت قبل أمس، لن تسمح لأحد، مهما كان السبب، بأن يسرق منها أحلامِها، وأن ينتزع منها شرفها. سيكون سقوطكم عظيماً لأن ما بُني على باطل فهو باطلٌ حقاً.

أما أنت أيها المجلس الموقر، الذي تُثبت يوماً بعد يوم أنك غير قادر على قيادة البلاد إلى بر الأمان. أتمنى منك أن تجلس وتتأمل في تاريخ هذه البلاد المُشرف من بدء التاريخ وحتى اللحظة الحاليّة، ستجد أن جذور هذا الشعب قوية جداً، لا يستطيع أحد أن يقلعها. لم تستطع قوة أن تهز ثباتها، وعزتها، وكرامتها، بل وثقتها بذاتها.
عبر هذا الشعب العظيم خط بارليف الذي لا يقهر، وسيعبر أزمته الحاليّة كما أعتاد بكل قوة وبأس وصبر. إن أزمتنا معكم هي أزمة ثقة، ويالها من أزمة. تقولون نحن الجيش، فأقول أنا المصري الذي صنع هذا الجيش. أنا المصري الذي يخدم بلده بهذا الجيش. لن أقبل كمصري أن أكون أعظم من بلدي، فبلدي هي كلّ مصري.
 لستم دولة داخل الدولة، بل أنتم خدام الدولة وحماتها. إن عنفكم الواضح وغير المُبرر ضدنا كمدنيين يدل على الكثير من عدم الوضوح والشافية، وعدم القدرة على القيادة بحيادية، بل أكثر من ذلك، يدل على مخطط واضح للاستيلاء على إرادة هذا الشعب الصامد. يا سادة الشعب يريد عبوراً جديداً، فكونوا أبطال هذا العبور، واعبروا عائدين إلى ثكناتكم، تخدمونا فيها، وتؤدون واجبكم الوطني الحق، وارحلوا عنا فلا نحتاج وصاية منكم ولامن الإخوان أو السلفيين. نحن أبناء أحمس ورمسيس الثاني، وطه حُسين ونجيب محفوظ وأحمد زويل، وأم كلثوم، قادرون على بناء مستقبلنا دون وصاية من أحد. قوموا بواجبكم اتجاه هذا البلد الكريم وهذا الشعب العظيم، واعبروا إلى ثكناتكم.

أما أنت أيها الشعب المناضل، فكفاك تفككاً وإنحلالاً وتأففاً. الحال سيء، نعم. ولكن الغد مشرق.  إن غربت الشمس يوماً فهي ستشرق غداً لا محال. إن الله لا يغير بقوم ما لم يغيروا بأنفسهم، ونحن أعلم بحالنا. انتشر الجهل بين الجميع، فحدث ولا حرج عن التعليم الذي يُخرج ملايين المتعلمين الأميين. أما الصناعة والتجارة، فقل ولا تخجل، مشاع لتعلم النصب والسرقة والغش. لن ننتظر قوة خارجية أو حتى إلهية لكي نتغير. علينا أن نبني أنفسنا بأنفسنا. أمامنا اليوم فرصة عظيمة كي نسقط كامل النظام، لا الرؤوس فقط. إنها الانتخابات. علينا أن نستعد لها وكأننا في معركة حربية، نعم إنها معركتنا الأولى للبناء والتعمير.
تحمل المسؤولية وشارك في بناء الوطن، شارك في هذا العبور الجديد، عبور إلى الخير والتقدم. كن إيجابياً وانتخب. اختر الشخص الذي يبني، اختر الشخص الذي تثق به، لا ذاك الذي يدفع لك مقابل صوتك، فصوتك لا يقدر بثمن، لأنه صوتك.

الشعب يريد عبوراً جديداً، فليكن هذا شعار معركتنا القادمة، معركتنا مع ذواتنا، ومع كلّ من يطمع في كفاحنا، وبلدنا. ولك الله يا بلادي

الأحد، 6 نوفمبر 2011

أضحى مبارك بلا ‘‘مبارك’’


أضحى مبارك بلا ‘‘مبارك’’

يحتفل العالم الإسلامي بعيد الأضحى، هذا العيد الذي نتذكر فيه سويًا إبراهيم عليه السلام وهو يُضحي بأبنه،ولكن الله يفدي هذا الإبن المسكين. بل ويباركه ويبارك نسله.

هذا العيد له مذاق خاص جدًا اليوم في عالمنا العربي. ففيه نحتفل بالأضحية، ونتذكر من ضحوا بأرواحهم ودمائهم في سبيل حرية مواطنيهم. نتذكر الشاب "بوعزيزي" هذه الشعلة التي أنارت جميع الكهوف المُظلمة في عالمنا وأوطاننا. هذه الشُعلة التي ألهبت حماسة شباب تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا....والبقية قادمة لا محالة.

توقفت كثيرًا عند المشهد المصري. فنحن بدء احتفالنا بعيد الأضحى منذ 25 "يناير/ كانون الثاني" ولم ينتهي بعد.
قرأت خبر أعضاء المجلس العسكري يُؤدون صلاة العيد، ويخرون ساجدين أمام إله رحمان رحيم.


وتساءلت ألم يقل لهم هذا العيد شيئاً؟ ألم يسألوا أنفسهم بأي حق يسجدون ويدهم مُلطخة بدماء شهداء الوطن والثورة؟ وأثارت فيّ الصورة تساؤلات عديدة منها:

هلّ يُدرك أعضاء المجلس أنهم ذبحوا المصريين عندما طردوهم بالقوة من ميدان التحرير بعد تنحي المخلوع؟
هلّ يعي أعضاء المجلس أنهم سجنوا وقتلوا وسحلوا العديد من الشباب لمجرد أنهم يُعبرون عن رأيهم بصراحة؟
هل يفطن أعضاء المجلس أنهم عندما يُصادرون الصحف ويمنعون الكلمة، بأنهم ليسوا آلهة على الأرض، بل هم بشر مثلنا، يحق لنا أن ننقضهم ونرفضهم إذا تطلب الأمر ذلك؟
هل يعرف أعضاء المجلس المأزق الذي وضعوا فيه البلاد عندما نسوا أنهم ليسوا إلا سُلطة انتقالية لا حق لهم بأن يسنوا القوانين أو مبادئ فوق دستورية؟
هل أنتبه أعضاء المجلس العسكري أنهم مازالوا يعاملون المصريين بنفس مبدأ النظام السابق وأن المصري مازال رخيصاً عندهم؟
هل يدرك أعضاء المجلس أن ردة فعلهم بعد المشاكل الجسيمة التي حلت بالبلاد خلال الفترة القليلة الماضية، وأخرها أحداث ماسبيرو الدامية، تثبت فشلهم الزريع كقادة مرحلة انتقالية، وحتى كقادة جيش. وأنهم يخفون فشلهم خلف مكاتبهم؟

صورة أرشيفية لمبارك المخلوع مع قيادات من المجلس العسكري
Text Box: صورة لبعض أعضاء المجلس العسكري مع المخلوع


في الواقع، يأتي عيد الأضحى هذا العام، وقد تبدل مبارك بالمجلس العسكري، والحال واحد. بل أصبح أكثر غباءً وشراسة.
"تتناقل العديد من وسائل الإعلام والأخبار علامات غباء المجلس الحاكم في مصر هذه الأيام، ولا مجال لسرها هنا".


كنت أتمنى للجميع عيد أضحى مبارك، دون مبارك. ولكن يشاء قدرنا أن نظل في أجواء عيد الأضحى منذ يناير وحتى إقصاء المجلس العسكري عن حكم البلاد. وحتى يتحقق هذا علينا جميعاً أن نبني مجلس وطني انتقالي مكون من خيرة رجال مصر الشرفاء من العلماء في كافة المجالات كالقانون والعلوم الاجتماعية والسياسية. ويبني هذا المجلس نواة مصر الجديدة بعيداً عن السُلطة العسكرية المقيتة والتي ظنت نفسها صورة الله على الأرض. وإن سجدت فهي تسجد لنفسها ونسيت أنها بشر يخطئ ويصيب، وله ثواب وعقاب.  



رسالتي الأولى


رسالة (1) إلى المجلس الهزلي.

اود أن أدشن مدونتي بحقيقة مهمة وهي أنني في غاية السعادة لأني لم أقم بالخدمة العسكرية تحت لواء الجيش المصري. ليس لأني لا أحب بلدي، ما عاذ الله، بل لأني اختبرت خلال مراحل التقديم الأولى في الخدمة العسكرية كيف أن الجيش المصري هو من أول مؤسسات المصرية التي لا تحترم كرامة الفرد المصري.
أجاهر بهذه الحقيقة من بعد مرور عشر سنوات تقريبًا على إعفائي من الخدمة العسكرية، وأتذكر جيداً اللحظات المُرة التي قضيتها وأنا أنتظر نتيجة القبول بالخدمة العسكرية لما رأيته من هذه المؤسسة من الخارج، فما بالك بداخلها؟
هل يعترف الجيش المصري كمؤسسة بالفساد المنتشر فيه كالسرطان؟ أظن أن الاعتراف بالمرض هو أوّل خطوات العلاج للمريض، إذا كان يبغي العلاج بالتأكيد !
نعود لرحلة الشقاء في الخدمة العسكرية، حيث يسافر الشاب المصري من بلد إلى بلد آخر (كما في حالتي)، حيث منطقة التجنيد التي ينتمي إليها. يقف في طابور من الشباب الأخر الذين في نفس مؤهله، والذين عددهم يتراوح المئات بل الآلاف. الكلّ منتظر دوره في تسجيل البيانات والملف الخاص به.
معاملة غير أدمية من مجندين لا يعرفون حتى القراءة والكتابة، يتحكمون بنا بدرجة مَرَضِية، ونحن حملة المؤهلات العليا، من لم يختبر هذا من المصريين؟؟
ولكن ليس هذا باب القصيد، بل أن كلماتي هذه حتى أقول أن الجيش المصري هو دولة داخل دولة، وأن المفاجأة التي نتلقاها من مجلس العسكري الحالي كان يجب أن نتوقعها، وقد أخطأنا في حق مصر حينما تركنا ميدان التحرير واستسلمنا لهذا الجيش.
ألم يكن هذا الجيش شاهد عيان لمعركة الجمل الشهيرة؟؟ ماذا قدم لضحايا الثوار، سوى حيادية باردة مُلطخة بالدماء.
ألم يكن رئيس المجلس العسكري من رجال مبارك وأحد أركان نظامه السابق؟ وقبل ألم يكن رئيس حرسه الجمهوري؟ ما الذي يغير وما الذي تبدل؟ لا شيء سوى الأسماء.
   أعلم أني لم أقل جديد، وأن أفكاري ليست مُنسقة، ولكن يكفي أن عبرت عن ذاتي، وجاهرت بما يجول في خواطري. وأعلم أنها خطوة ليست سهلة في ظل مصادرة التعبير التي يقوم بها مجلس الآلهة الذي يحكم البلاد في هذه المرحلة، ولكني أقول لهم "اعتبروا". فلم يُخلق نظام وقف عائقاً ضد شعب يريد أبسط حقوقه وأهمها وهي كرامة، حرية، عدالة اجتماعية. وعشت يا مصر حرّة